ملتقى القراءة الدولي- تعزيز الثقافة القرائية ودور المكتبات في السعودية

المؤلف: نجيب يماني10.12.2025
ملتقى القراءة الدولي- تعزيز الثقافة القرائية ودور المكتبات في السعودية

في قلب العاصمة الرياض، وتحديدًا في مركز الملك عبدالله المالي (كافد)، بادرت هيئة المكتبات بتنظيم فعاليات "ملتقى القراءة الدولي"، الذي يصبو إلى تنمية وتعزيز العادات القرائية لدى أفراد المجتمع. يأتي هذا الملتقى في سياق دعم مسيرة التحول الوطني الطموحة، وتعميق أواصر الحوار الثقافي البناء، وترسيخ قيم القراءة النبيلة، وإثراء التجربة الثقافية الثرية للمجتمع بأسره، بالإضافة إلى ضمان وصول سلس وميسر للمعرفة لكافة الفئات العمرية المتنوعة، وإذكاء ثقافة القراءة المستنيرة، ورفع مستوى الوعي المعلوماتي، وتحفيز التفاعل الثقافي المثمر لتعزيز الغنى الفكري. وهنا، يتجلى الدور المحوري والبارز للمكتبات كمؤسسات ثقافية فاعلة في ترسيخ هذه الحقائق وتجسيدها في واقع حياة الناس. فالمكتبات تضطلع بدور حيوي في نشر المعارف والثقافات المتنوعة، وتمثل الشاهد الأمثل على ازدهار الأمم وتقدمها الحضاري. وللتذكير بأهمية هذا الدور، نشير إلى أن مكتبة الثقافة في مكة المكرمة، والتي تأسست عام 1364هـ، قد لعبت دورًا رائدًا ومحوريًا في مسيرة الفكر والأدب، وكانت رافدًا هامًا من روافد الثقافة في المجتمع. فمن خلال مكتبة الثقافة، تعرف ذلك الجيل على عمالقة الفكر والأدب مثل العقاد وطه حسين والزيات وزكي مبارك وشوقي وحافظ والمازني والرافعي والجارم والحكيم وحسين هيكل ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وزكي نجيب، ورووا ظمأهم من رحيق إبداعاتهم الخالدة. كما تعرفوا على العديد من الصحف والمجلات الرائدة مثل الأخبار والأهرام والمصور وآخر ساعة وروز اليوسف والمقطم والمقتضب والرسالة والهلال والمختار وروايات الجيب. لقد أسهمت مكتبة الثقافة إسهامًا فعالًا في نشر العلم والأدب، وتعزيز معرفة تاريخ الشعوب وجغرافية العالم، ونشر روايات الحب الراقي. كما ساهمت بشكل كبير في بناء العقول وتنوير الأفكار، وشجعت الكبار والصغار على القراءة والاطلاع، وغرست الوعي الأدبي بين القراء من خلال بيع الكتب بأسعار مناسبة وتقسيط قيمتها وإعارتها وتداولها، وجعلها متاحة لكل من أراد أن يتعلم أو أن يصبح أديبًا. لقد كانت مكتبة الثقافة محطة هامة من محطات الثقافة، يستريح عندها المثقفون ويسارع إليها المتعلمون لشراء أحدث ما أنتجه الفكر العربي والعالمي المترجم. وتتلمذ على هذا الصرح الثقافي الشامخ، الذي كان يقع في سوق الليل بمكة المكرمة، الرعيل الأول من أدباء الوطن ومثقفيه. وبالمثل، كانت مكتبات باب السلام تفيض بأنواع الكتب الفكرية والتراثية والأدبية، وتمتلئ بها الأرفف والممرات، فكانت أشبه بتجمع تجاري خاص بالكتب، وقد أسهمت بدور كبير في تثقيف أبناء المجتمع وتشجيعهم على الاطلاع والقراءة. واليوم، ونحن نعيش في ظل رؤية طموحة تجعل الإنسان أسمى أهدافها، فقد تم إنشاء هيئة المكتبات لإشباع حاجة المواطن الفكرية للقراءة والاطلاع وإضاءة دروب المعرفة، ولتكون رافدًا ثقافيًا لكافة أطياف المجتمع، ومصدرًا أساسيًا للبحوث العلمية والدراسات بكافة أنواعها، بهدف ترسيخ عادات القراءة والتشجيع عليها. ويجمع ملتقى القراءة الدولي ثقافات متنوعة تسهم في زيادة الحصيلة الثقافية وتقريب المسافات بين المثقفين، بالإضافة إلى تعزيز العادات الحميدة الخاصة بالقراءة من خلال الرجوع إلى الأدب والقضايا الإنسانية المشتركة، والاطلاع على الأطروحات الأدبية المختلفة، لبناء أجيال جديدة من القراء في مختلف المناهل والمصادر المعرفية. كل هذه المخرجات الثقافية المتنوعة تحتاج إلى وجود مكتبات حديثة ومتطورة، يتولى الصندوق الثقافي وهيئة الكتاب إنشاءها وتطويرها بتصميم خاص موحد ومميز على أرض وطننا الغالي، على أن تخصص لها مساحة مكانية في كل المولات والأسواق والمطارات، للإسهام في نشر ثقافة العالم من حولنا وعرض آخر المستجدات في الترجمة والرواية وكل ما تفيض به دور النشر من إصدارات جديدة، بالإضافة إلى عرض آخر المستجدات العالمية في الفكر والفلسفة والأدب. فمثل هذه المكتبات المتكاملة والحديثة لا تزال معدومة وغير موجودة على أرض الواقع. ولا يزال الكتاب الورقي يحتل مكانة مرموقة ومتقدمة في حياة الأمم والشعوب، لإشباع جوعهم الفكري بعيدًا عن القراءة الرقمية في لوح صامت لا طعم له ولا رائحة، وليس له متعة التفاعل الروحي مع القارئ بورقه وحبره وحروفه وصفحاته ورائحته وصوت خشخشة تقليب صفحاته. فلنشهد عودة حميدة ومباركة لعصر الكتاب الورقي ونعمل على نشره ودعمه، بما يتواكب مع الطفرة الثقافية والإنسانية التي نعيشها. ولا بد لوزارة الثقافة، وهي تنشط في كل محفل، أن تسهم بشكل فعال في ترسيخ قيم ثقافة الاطلاع والبحث والقراءة والارتقاء بالوعي الإنساني، ليس فقط في المناسبات والمؤتمرات السنوية، وإنما من خلال استمرار دائم عن طريق هذه المكتبات. فالكتاب لا يزال أحد أهم روافد الثقافة وإثراء المعرفة لدى الفرد، والضامن للتنافس في عالم اليوم على بصيرة واعية، إذا ما أردنا أن نلحق بالركب الحضاري، وننهض قدمًا وفق ما بشرت به رؤية المملكة المباركة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة